Monday, November 15, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثالث

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثالث

3-     هل يستطيع الإنسان السوى الرشيد أن يعيش بلا إسلام ؟
لو كان التدين غباوة لأثرت العيش بلا دين ، ولو كان حرجًا على النفس أو قبولاً للدنية ، أو سطوة عنصرية لأثرت العيش بلا دين ! لكن الدين ليس كذلك ، بل هو مخاصمة لكل ذلك ، إن الملاحدة خلطوا خلطًا قبيحًا بين الحق الذى نزل من عند الله وبين الباطل الذى صنعه البعض من عند نفسه وزعم أنه دين .
 ومن عرض باطلاً ما على أنه دين فهو كاذب ، والكفر بما عرضه واجب .
 والناس فى عصرنا هذا فرقاء متباينون ، منهم من ينكر الألوهية ويتصور العالم لا رب له ، ومنهم من يعترف اعترافًا غامضًا بالألوهية ويحسب الأديان الكبرى متساوية المنهج والقيمة ، ومنهم من يعتنق اليهودية أو النصرانية ، ولا يرغب عنهما أبدًا ، ومنهم الوثنى المغلق ومنهم المسلم الذى رضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا ورسولا .
 وفى المسلمين غوغاء يحيون وفق ما ورثوا من سنن وبدع وعلم وجهل وهدى وهوى .
 وفيهم دعاة إلى الحق الذى نفذه السلف الكبار ، ثم استوحش قليلا وكثيرًا مع مسيرة التاريخ ، ثم أمسى غريبًا فى هذه الأيام .
 ومشكلة الدعاة المسلمين تجىء من الصورة التى يظهر بها الإسلام فى العالم الإسلامى ، وتجعل المرء السوى فى بلاد أخرى ينفر منه .
فلو أن رجلا يعيش فى بلاد حرة ، يناقش فيها الحكومة دونما رهبة ، ويعترض رئيس الدولة ويعارضه دونما قلق ، مثلما كان يفعل المسلمون قديمًا مع أبى بكر وعمر ، لو أن هذا الإنسان قيل له : اعتنق عقيدة التوحيد فهى حق ، ولكن إذا قلت للحاكم : لا ، رُميت فى السجن ! أو ضرب عنقك !!
 أتحسب هذا الإنسان يسلم ؟ كلا وماذا يغريه بالدخول فى دين يقدر الحاكم فيه على تدمير مدينة ودفن ثلاثين ألفًا تحت أنقاضها ، وبقى بعد ذلك مهيبًا مصونًا تَوْجَل وسائل الإعلام القريبة والبعيدة من تناوله .


 إن هذا الإنسان يكفر ويكفر ، ولا يرضى بالدخول فى هذه الدائرة المزعجة . . . ومن المسئول عن محنته ؟ ساسة جبابرة لا دين لهم اشتغلوا فتانين عن الغسلام بأسلوبهم فى الحكم .
 وهناك مشتغلون بالعلم الدينى يقدمون الإسلام على أنه حبس وتجهيل المرأة ، ويجتهدون فى تقرير أحكام تظهر النساء وكأنهن جنس مهدر الحقوق ، محقور المنزلة مغموض العقل يستغرب وجوده فى ميادين العلم والعبادة والجهاد ، بل يستنكر عليه أن يقود سيارة .
 لا جرم أن النساء فى شرق العالم وغربه تأبى اعتناق هذا الدين وترى الحكمة فى تجنبه . . !! ويؤازرهن فى ذلك ألوف الرجال الشرفاء .
 إن فتنة الناس عن الإسلام بهذه الطريقة هى شىء محزن حقًا ، وكثيرًا ما أذكر قصة البدوى الذى قالوا : إنه عرض ناقته فى السوق بدرهم واشترط أن يباع مقودها معها بعشرة آلاف . . فكان الناس يقولون ما أرخصها لولا هذا المقود الملعون .
 أجل وما أسهل اعتناق الإسلام لولا هؤلاء المحمولون عليه اللاصقون به .
 نسال بعدئذ : هل الشخص الملحد الكافر بالله ولقائه ووحيه يمكن أن يكون سويًا رشيدًا ؟ ونجيب :إن مثل هذا المخلوق مصاب يقينًا فى بصيرته وسيرته ، وإنكاره لربه أفحش من عقوق الولد لأبيه البر الرحيم .
 وقد تكون له موهبة علمية ، لكن ذلك لا يرفع خسيسته ، وقد حكمت الولايات المتحدة بالإعدام على عالم بالذرة أفشى أسرار عمله للروس ، إنه عد من كبار المجرمين لأنه خان وطنه وقومه .
 وما الوطن ؟ قطعة من الأرض ، وما القوم  ؟ قبيل من الناس ، فكيف بمن خان رب الأرض والسماء ورب البشر كلهم ؟ ألا يعد مجرمًا ؟
 إن عظمة موهبة ما لا تنفى الإصابة بعلل مهلكة ، فقد يكون المرء حاد البصر جدًا ، ولكنه مصاب بسرطان يوشك أن يخترم عمره ويورده المهالك ، فما غناء بصره القوى مع علته الجسيمة ؟
 والشخص الذى يرفض معرفة الله والتقيد بدينه مهما نبغ فى أمر ما ، فهو معتل الضمير ، زائغ التفكير ، مخوف السولك على الأقربين والأبعدين ، بل إلى الحيوان أقرب منه إلى الإنسان .


وعبادته لهواه تجعله مشئومًا على نفسه ومن اقترب منه ، وقد يعاقبه الله فى العاجلة فيجعل ذكاءه ضده ، فيبحث عن حتفه بظلفه ويحفر قبره بيده .
 وقد وصف الله سبحانه عبيد أهوائهم الكارهين للاستضاءة به ، والاستمداد منه فقال : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا (43) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم غلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) (1)
 ولقد رأيت فى أرجاء البلاد العربية أناسًا ينتمون إلى " العلمانية " ويستبعدون بعنف كل أثارة للإسلام فى ميدان التربية أو القانون أو الثقافة أو التوجيه .
 وتفرست فى وجوه هؤلاء وأعمالهم ، فما رأيت صحة نفسية ولا دقة عقلية . فيهم مسلمون – كما يقال – يكرهون ما أنزل الله ، وفيهم كتابيون ينضمون إلى كل جبهة تخاصم الإسلام لكى يكثروا السواد ويشبعوا الأحقاد ، ويتظاهرون – مع ذلك – بالحياد !!
 ويستحيل وصف أحد من هؤلاء بأنه إنسان رشيد ، لأنه لو كان ذا نزعة قومية مجردة لعلم أن بنى إسرائيل تسلحوا بعقيدة مهاجمة ، وسياسة جعلت الدين يغتصب الأرض والعرض ، فكيف يقبل الدين مهاجمًا وترتضى سياسته وتحترم سطوته ؟ ويرفض الدين مدافعًا ويعتبر غشراكه فى التربية والتقوية سياسة رجعية مرفوضة .
 ألأن الدين هنا هو الإسلام ، ولأن الدين هناك هو اليهودية ؟!
 لا سياسة فى الدين إذا كان إسلامًا يدافع ، وتقام الدول من الهباء إذا كان الدين صهيونية تسطو؟ وتوصف السياسة هنا بأنها حكمة وتقدم !!
 على أنه ليس من الحصافة والرشد رفض نبوة محمد ، وكراهية هذا الإنسان العظيم والتحامل عليه ، إننا نضحك من إنسان يرى أن الأرض كوكب مثلث أو مربع ، أو أن موسى عليه السلام ولد فى الولايات المتحدة . فكيف لا نضحك من شخص يرى بوذا إلهًا ومحمدًا قاطع طريق ؟
 وكيف لا نضحك من شخص يرى الإسلام عبادة أصنام واستباحة أعراض ولا يعرفه دين توحيد وعفاف؟ إذا لم يكن هذا الشخص مغفلًا ، فهو جاهل بلا ريب ،








(1)   الفرقان : 43 ، 44 .

والجاهل لا يوصف بأنه امرؤ سوى رشيد ، قد يكون الجهل عذراً يسقط المسئولية الأخلاقية عند مخالفة القانون ، ولكنه لن يكون منقبة تزين صاحبها . . إن هناك يهوداً يصدقون أن الله صارع اباهم إسرائيل وكاد ينهزم أمامه ، ونصارى يصدقون أن الطفل يولد وهو حامل للعنة الخطيئة التى اقترفها آدم ، وإذا لم يعتقد أن عيسى صلب فداء له باء هو الآخر باللعنة الأبدية !
 فليعتقد من شاء ما شاء ، ولا يتطاول فوق مكانته ، ولا يتعرض بالتكذيب للإنسان الذى جاء ينقى رسالات السماء مما أهانها ، والذى جاء فى كتابه هذا التقريع لكل شارد : ( أم لم يُنَبّأ بما فى صحف موسى (36) وإبراهيم الذى وفَّى (37) ألا تزر وازرةُ وزرَ أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعىا (39) وأن سعيه سوف يُرى (40) ثم يجزاه الجزاء الاوفَىا )(1)
 إن جرس هذه الآيات الموجزة ينبعث دقات رهيبة الرنين تثير الحذر ، وتوقظ الانتباه! أو هى ومضات متقطعة تلفت السائر فى الدرب المتشابه كيف يعرف هدفه ولا يثنيه عنه .
  إن الجهل بالإسلام نقص شائن ، وما يستطيع أحد الاكتمال بدونه ، وكيف يتزكى امرؤ استغنى عن توفيق الله وهدايته ، وبشارته ونذراته ، لم تُرَطّبْ قلبه لحظة خشوع ، ولم يقل يوما : رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين . . . ؟















(1)   النجم : 36 - 41



1 comment:

  1. باقى أسئلة الكتاب

    من هنا:

    http://ubookmark.blogspot.com/2010/02/blog-post_11.html

    ReplyDelete