Saturday, February 27, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثانى

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثانى

2-     لماذا كان الإسلام خاتم الأديان ؟
الإسلام هو العلاقة الوحيدة بين الناس وربهم منذ بدأت الخليقة  ، وتكونت للبشر مجتمعات ، ونستطيع القول إن القرآن حوى جملة التعاليم التى بلغها الأنبياء الكبار – أعنى أولو العزم وحملة الرسالات المهمة – فلو كان موسى أو عيسى موجودين لاكتفيا بما قال القرآن فى ترسيخ العقائد وتأديب الأمم .
 أما الشرائع الجزئية فإن التفاوت فيها ليس له قيمة كبيرة .
 والإسلام الذى بلغه محمد وأخذ الناس به هو الصورة الأخيرة للوحى الأعلى ، وهو كذلك الصورة العامة التى تستغرق الأجناس كلها وتتناول الأجيال التى تسكن الأرض حتى قيام الساعة . . النبوات السابقة كانت كلها محلية مؤقتة أى محدودوة الزمان والمكان ، أما النبوة العامة الخالدة – فهى نبوة محمد وحده لا يَشْرَكُهُ فى ذلك نبى من السابقين .
 وعلة ذلك ان الإسلام بعد ما زود الإنسان بالوصايا الأخيرة للوحى الإلهى وكّل إلى عقله أن يتحرك ويشق طريقه ، ويستغل قدرته على الفهم والحكم وتعرف الصواب والمصلحة . . فانتهاء عصر الوحى هو ابتداء عصر العقل ، وقد شرحنا ذلك بتفصيل فى كتابنا ( فقه السيرة ) .
 إن نبى القرآن عليه الصلاة والسلام أرسى دعائم العقيدة والعبادة والخلق ، وساق نصوصا حاسمى تضبط سيرة المرء وتقاليد الجماعة ، وهذه أسس وتوجيهات لا تختلف باختلاف العصور ، ولا يمكن اختراق أسوارها .
 أما ما وراء ذلك من شئون – وما أكثره – فموكول إلى العقل الإنسانى يمحو فيه ويثبت . . فى ميدان العلوم والأنشطة الأرضية وشئون الحياة المدنية والأطوار الحضارية يقدر العقل على الحركة دون قيد يضعه الدين . وفى كل المجالات التى تتحدد فيها المبادىء وتتحرر الوسائل ، يستطيع العقل أن يتصرف دون عائق .
فالشورى مثلا مبدأ دينى لمنع الاستبداد السياسى ، ومنع عبادة الفرد ، وتمكين الأمة من فرض رقابتها على ما يعنيها . .
والعقل له أن يضع من الدساتير ما يحقق هذه الغاية .



والعدل مبدأ دينى لمنع الافتيات والتظالم ، وللعقل أن يشرع من القوانين وينشىء من المحاكم ما يحقق هذه الغاية إدارياً واجتماعياً واقتصادياً .
والجهاد مبدأ دينى لحماية الإيمان وكبح الفتنة ، ووسائل الجهاد فى البر والبحر والجو لا حصر لها ، والإبداع العقلى فى هذه الميادين لا حدود له . . . بل إن شرائع العقوبات المروية تركت أغلب الجرائم للاجتهاد العقلى ، مثل الغش والغصب والتزوير والربا والخيانة والاختلاس وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف . . . إلخ
وقد تنشأ أحوال تعين على العقل أن يعالجها ويرقب أثارها ، لأنها لم تعهد من قبل فى عهود الأنبياء ، لا أقول مثل غزو الفضاء وحرب الأقمار الصناعية ، بل فى النشاط الإنسانى العادى على ظهر الأرض ، فقد جدت قضايا خطيرة جعلت الحكومات تفرض سلطانها على نحو لم يعرف فى تاريخ الحياة البشرية من قبل ، وما يتم هذه العلاج إلا بالعقل اليقظ ، مع استصحاب هذا العقل لوحى الإيمان وتقوى الله .
إن الله لا بعجزه أن يرسل نبيا آخر ، لكن هذا الإرسال سيكون عبثاً إذا كان عمل النبى المرتقب قطرة من البحر الذى سبقه أو ترسمًا لخطاه أو تكرارًا لما قاله . . .
ومن ثم اكتفت الأقدار بكتاب محمد وحكمته فى قيادة الإنسانية إلى آخر الدهر .
ولو ان ورثة الإسلام من أمراء وعلماء أدوا واجبهم بأمانة ما كان هناك داع لهذا السؤال : لماذا كان الإسلام خاتم الأديان ؟
 فإن هذه التساؤل تولد من الفراغ والقصور الملحوظين على الحياة الإسلامية العامة ، وبخاصة فى العصور الأخيرة.
من المقطوع به أن الأمة الإسلامية فقدت القدرة على قيادة نفسها بسبب فسادها الثقافى والسياسى فكيف تقود العالم ؟ أو كيف تقدم نموذجًا لصلاحية الإسلام الأبدية لقيادة العالم ؟
إن أصحاب العقول يرفضون أن يشد العالم إلى وراء وأن توضع قيود على حراكه الفكرى والحضارى ولو كان الإسلام مسلكًا رجعيًا ، أو توقفًا حضاريًا لرفضناه دينًا يرقى بأتباعه بل دين يرقى بالعالمين .
 لكن فقهاء الإسلام الحقيقيين قالوا : حيث تكون العدالة والرحمة فثم شرع الله ! حيث تكون الفضيلة والحرية والمصلحة فثم شرع الله !
وماذا ينشد الناس إلى آخر الدهر غير هاتيك الغايات ؟
إن اختلاف الليل والنهار لن يقلب حقائق الأشياء . . فإذا كانت الوحدانية صفة الله فإن هذه الصفة لن تتغير ولن تزول مهما اطردت مواكب الزمان .



وإذا كانت تبعية الإنسان لربه حقًا لا معدى عنه ، فإن تقدم الحضارة لن يعنى أبدًا أن الإنسان استغنى عن الله والصلاة له والضراعة إليه .
 وقل مثل ذلك فى ميدان الأخلاق ، والعلاقات الإنسانية كلها .
 ويوم ظن أهل الكتاب أن الدين عنوان ومراسم وأوهام مقدسة قيل لهم : كلا ، الدين ارتباط بالله ، وإحسان للعمل ، ولن يضام أحد أخلص لله قلبه ، وأصلح له عمله ، واستقام على الطريق . .! وقالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (1).
 لماذا  لا تكون هذه الحقائق ختام الدين كله ؟ رب العالمين يقول للناس فى القارات المعمورة من أرضه ، اتجهوا إلى مخلصين ، وأحسنوا كل عمل تكلفون به ، تظفروا بالأمن وتنجوا من الحزن وتكسبوا الدنيا والآخرة . .
 ماذا بعد هذا الكلام ؟ وماذا يقول نبى آخر بعد محمد عليه الصلاة والسلام ؟
على أن هناك شرائع تفصيلية ترتبط بهذا الأصل ارتباط الشجرة بجذعها ، ولا يقبل الإهمال لهذه الشرائع الفرعية !
 غير أننا نلفت النظر إلى أمرين مهمين : الأول أن تفكير المسلمين لان أمام بدع وخرافات أدخلت على دين الله وهو منها برىء ، وبرزت هذه الأهواء الدخيلة فى أعمال المسلمين أكثر مما برزت فى معالم الدين الحق ، ومن مصلحة الإسلام لكى يبقى ان ينقى من هذا الغش . . .!
الثانى أن الترتيب المفروض بين شعب الإيمان سرت فيه الفوضى ، فتحولت اركان إلى نوافل ، ونوافل إلى أركان .
 وامتدت خيمة الغيبيات لتشمل أمورًا عقلية لها منطقها الحر ، وتبعت أحكام الحلال والحرام تقاليد بعض الأجناس التى اعتنقت الإسلام .
 والمعروف أن الحكم الشرعى هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ، فلا حكم حيث لا خطاب .
إن الإسلام كان ولا يزال الدين الذى ارتضاه الله لعباده إلى اللقاء الأخير ، ومصلحة الإنسانية فى استمساكها بهذه العروة الوثقى .







(1)   البقرة : 111 ، 112 .

1 comment:

  1. باقى أسئلة الكتاب

    من هنا:

    http://ubookmark.blogspot.com/2010/02/blog-post_11.html

    ReplyDelete