Wednesday, February 17, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الأول

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الأول


1- ما الإسلام ؟ ولماذا سمى كذلك ؟
الإسلام الخضوع لله ، وتسليم النفس والأمر إليه سبحانه ؛ اى إقامة العلاقة بين الإنسان وربه على مبدأ (السمع والطاعة) !
قد يشعر امرؤ بأنه لا سلطان لأحد فى الأرض والسماء عليه ، وأنه يفعل ما يهوى دون ارتباط بتوجيه ما . وقد يقبل هذا الشعور فى تحديد العلاقة بين إنسان وإنسان مثله ، أما بين الإنسان وربه الذى خلقه بقدرته ، ورباه بنعمته ، ورسم له طريقا مستقيما وأمره أن يسير عليه . . فلا مكان لهذا التمرد والشموخ .
إذ الواجب أن يجعل الإنسان نفسه تابعا لمراد الله ، أو الشخص الذي يتلقى التعليمات من أعلى و يرى ضرورة التزامها . . قال الله تعالى : ( ومن يسلم وجهه إلى الله و هو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى و إلى الله عاقبة الأمور ) (1) .
وماذا يمكن أن تكون العلاقة بين الخالق و المخلوق؟ بين موجود سيقضى على ظهر الأرض بضع عشرات من السنين تقل أو تكثر، ثم يرجع بعد ذلك إلى من أوجده؟
أتكون علاقة تجاهل أم معرفة؟ أتكون علاقة تمرد أم خضوع؟
إنه طبيعي جدا أن يعرف الإنسان هذا الرب الكبير ، و أن يرتبط بأمره و نهيه و أن يتوجه وفق هديه ، و هذا هو معنى الإسلام و هو المعنى الذي قرره المرسلون .
قال تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) (2) .
والمرء إذ يعلن خضوعه لله و احترامه لوصاياه ، و انقياده المطلق لتوجيهه – سبحانه - يتجاوب مع الكون كله الساجد لربه ، الهاتف بمجده ( أفغير دين الله يبغون و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا و كرها و إليه يرجعون ) (3) .
و يخطئ من يظن الإسلام عنوانا خاصا بالدين الذي جاء به " محمد " منذ خمسة عشر قرنا ، إن الإسلام عنوان لجميع الرسالات التي هدت الناس من بدء الخليقة إلى يوم الناس هذا .
(1) لقمان : 22 (2) آل عمران : 19 (3) آل عمران : 83


صحيح أن حقيقة الإسلام بلغت تمامها ، وأخذت صورتها الأخيرة فى رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بيد أن هذا العنوان أطلقه القرآن الكريم على ما بلغه أنبياء الله كلهم دون استثناء .
إن إسرائيل - وهو لقب التشريف ليعقوب – ليس إلا نبيا دعا إلى الإسلام وتشيث به ومات عليه وأوصى به أولاده : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون ) (1).
والواقع أن الدولة التي تسمى اليوم بإسرائيل هي اسم بلا مسمى ، وعلم على وهم كبير، لأن إسلامها لله صفر أو قريب من الصفر .
وكان عيسى يعلم أتباعه الانقياد لله و صدق عبوديته ، و تأمل في هذه الآية ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي و برسولي قالوا آمنا و اشهد بأننا مسلمون ) (2).

و يشمل وصف الإسلام جميع الأنبياء الذين نفذوا الأحكام السماوية بدءا من عهد التوراة إلى اليوم . قال تعالى ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى و نور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا و الربانيون و الأحبار بما استحفظوا من كتاب الله و كانوا عليه شهداء ... ) (3).

ولا يصح الإسلام إلا باكتمال حقيقتين مهمتين أولاهما حسن معرفة الله ، و تصور الألوهية بأمجادها كلها ، فلا يعد مسلما من أشرك بالله شيئا ، أو نسب لله ولدا ، أو ظن الذات العليا متلبسة بالعالم حالة في الكون الذي نعيش فيه . . لابد من العلم الصحيح بالله . . و يجيء من بعد ذلك الانقياد له و تنفيذ أوامره .
و في القرآن الكريم فيض غامر من تنزيه الله ، و الثناء عليه ، وإحصاء لأسمائه الحسنى و صفاته العلى ، و إبراز لمعالم العظمة الإلهية لا مثيل له في كتاب قديم أو حديث سماوي أو أرضي.


(1) البقرة : 133 (2) المائدة : 111 (3) المائدة : 44


فأنت تحس عند قراءة القرآن بالشهود الإلهي على كل شيء ، و الهيمنة المطلقة ، ( له غيب السماوات و الأرض أبصر به و أسمع ما لهم من دونه من ولي و لا يشرك في حكمه أحدا ) (1).

و كيف لا يسلم المرء نفسه لمن خلق كل شيء و دبر كل أمر ، و ملك السمع و الأبصار ، و قلب الليل و النهار ، و أرسل الرياح لواقح ، و فرج الكروب ، و أخرج الحيارى من الظلمات إلى النور، و في القرآن الكريم إنكار شديد و غضب هائل على من ينسب لله ابنا ، أو يجعل له بعباده شبها ( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات و ما فى الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) (2).

وبعد إثبات هذه الحقيقة في صحة المعرفة بالله تجيء الحقيقة الأخرى . . . و أساسها الانقياد التام لله ، و الاصطباغ بطاعته .
ولا يجتمع إسلام لله و تمرد عليه ، أو خضوع له و رفض لأمره !!
فهل معنى ذلك أن المسلم لا يتورط في معصية ؟ الحق أن المسلم إذا عرض له عصيان كان ذلك طارئا غير محسوب ، أو عملا انزلق إليه صاحبه و هو كاره له أو غير مستبين لشره ، و من ثم فهو يتخلص منه آسفا و نادما أو خجلان . . !!

وطبيعة النفس ، وظروف البيئة قد توقع المرء في سيئة ما ، كالذي يقود سيارته آيبا إلى بيته فتغفو عينه إغفاءة تفقده السيطرة على مقود السيارة فيصاب هو أو يصيب غيره .
إن نور العقل قد ينكسف ، و طاقة العزيمة قد تنفد ، و عندئذ يقترف المرء ما لا يليق ، و لا يخرج المرء بذلك عن الإسلام ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )(3) ولذلك رفض النبي - صلى الله عليه و سلم - استنزال اللعنة على شارب خمر أوهن الإدمان إرادته و مروءته . إن هذا الشارب يمثل نوعا من العصيان أو حالة من الاضطراب غير ما يقع في مجتمع آخر يزرع العنب و يعد المعاصر ، و يفتح الحانات و ينظم توزيع الإثم ، و يفرض ضرائب على المتاجرة به . .
(1) الكهف : 26 (2) يونس : 68 ، 69 (3) الاعراف : 201


الفارق بعيد بين مستبيح لا يرى لله حقا ، و لا يحس في عمله جرما و معتل خارت قواه فسقط ، الأول مجرم لا مسلم و الآخر مريض تلتمس له العافية ، و يحسب بين أهل الإسلام .

وقد استطاع نبي الإسلام تكوين أمة مسلمة لله ، تنهض للصلاة له من طلوع الفجر إلى غسق الليل ، و تتردد على المساجد في رتابة و دقة يمكن أن تضبط عليهما الساعات .

كما أن هذه الأمة التزمت في شئونها المدنية و العسكرية و الثقافية و السياسية أن ترضي ربها ، و أن تتوجه وفق مراده ، بحرص و إخلاص.
قدوتها الأولى و الأخيرة إنسان تجرد للحق و أصاخ من أقاصي فؤاده إلى أمر الله له ( قـل إن صلاتي و نسكـي و محيـاى و ممـاتي لله رب العالمين (162) لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ) (1).

و كذلك وعى أتباعه هذا القسم المؤكد ( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما )(2) . . .
إن خضوع الإنسانية لبارئها الأعلى صدق و شرف ، و هذا هو الإسلام .
(1) الأنعام : 162 ، 163 (2) النساء : 65


1 comment:

  1. باقى أسئلة الكتاب

    من هنا:

    http://ubookmark.blogspot.com/2010/02/blog-post_11.html

    ReplyDelete