Showing posts with label سؤال. Show all posts
Showing posts with label سؤال. Show all posts

Monday, November 15, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثالث

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثالث

3-     هل يستطيع الإنسان السوى الرشيد أن يعيش بلا إسلام ؟
لو كان التدين غباوة لأثرت العيش بلا دين ، ولو كان حرجًا على النفس أو قبولاً للدنية ، أو سطوة عنصرية لأثرت العيش بلا دين ! لكن الدين ليس كذلك ، بل هو مخاصمة لكل ذلك ، إن الملاحدة خلطوا خلطًا قبيحًا بين الحق الذى نزل من عند الله وبين الباطل الذى صنعه البعض من عند نفسه وزعم أنه دين .
 ومن عرض باطلاً ما على أنه دين فهو كاذب ، والكفر بما عرضه واجب .
 والناس فى عصرنا هذا فرقاء متباينون ، منهم من ينكر الألوهية ويتصور العالم لا رب له ، ومنهم من يعترف اعترافًا غامضًا بالألوهية ويحسب الأديان الكبرى متساوية المنهج والقيمة ، ومنهم من يعتنق اليهودية أو النصرانية ، ولا يرغب عنهما أبدًا ، ومنهم الوثنى المغلق ومنهم المسلم الذى رضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا ورسولا .
 وفى المسلمين غوغاء يحيون وفق ما ورثوا من سنن وبدع وعلم وجهل وهدى وهوى .
 وفيهم دعاة إلى الحق الذى نفذه السلف الكبار ، ثم استوحش قليلا وكثيرًا مع مسيرة التاريخ ، ثم أمسى غريبًا فى هذه الأيام .
 ومشكلة الدعاة المسلمين تجىء من الصورة التى يظهر بها الإسلام فى العالم الإسلامى ، وتجعل المرء السوى فى بلاد أخرى ينفر منه .
فلو أن رجلا يعيش فى بلاد حرة ، يناقش فيها الحكومة دونما رهبة ، ويعترض رئيس الدولة ويعارضه دونما قلق ، مثلما كان يفعل المسلمون قديمًا مع أبى بكر وعمر ، لو أن هذا الإنسان قيل له : اعتنق عقيدة التوحيد فهى حق ، ولكن إذا قلت للحاكم : لا ، رُميت فى السجن ! أو ضرب عنقك !!
 أتحسب هذا الإنسان يسلم ؟ كلا وماذا يغريه بالدخول فى دين يقدر الحاكم فيه على تدمير مدينة ودفن ثلاثين ألفًا تحت أنقاضها ، وبقى بعد ذلك مهيبًا مصونًا تَوْجَل وسائل الإعلام القريبة والبعيدة من تناوله .


 إن هذا الإنسان يكفر ويكفر ، ولا يرضى بالدخول فى هذه الدائرة المزعجة . . . ومن المسئول عن محنته ؟ ساسة جبابرة لا دين لهم اشتغلوا فتانين عن الغسلام بأسلوبهم فى الحكم .
 وهناك مشتغلون بالعلم الدينى يقدمون الإسلام على أنه حبس وتجهيل المرأة ، ويجتهدون فى تقرير أحكام تظهر النساء وكأنهن جنس مهدر الحقوق ، محقور المنزلة مغموض العقل يستغرب وجوده فى ميادين العلم والعبادة والجهاد ، بل يستنكر عليه أن يقود سيارة .
 لا جرم أن النساء فى شرق العالم وغربه تأبى اعتناق هذا الدين وترى الحكمة فى تجنبه . . !! ويؤازرهن فى ذلك ألوف الرجال الشرفاء .
 إن فتنة الناس عن الإسلام بهذه الطريقة هى شىء محزن حقًا ، وكثيرًا ما أذكر قصة البدوى الذى قالوا : إنه عرض ناقته فى السوق بدرهم واشترط أن يباع مقودها معها بعشرة آلاف . . فكان الناس يقولون ما أرخصها لولا هذا المقود الملعون .
 أجل وما أسهل اعتناق الإسلام لولا هؤلاء المحمولون عليه اللاصقون به .
 نسال بعدئذ : هل الشخص الملحد الكافر بالله ولقائه ووحيه يمكن أن يكون سويًا رشيدًا ؟ ونجيب :إن مثل هذا المخلوق مصاب يقينًا فى بصيرته وسيرته ، وإنكاره لربه أفحش من عقوق الولد لأبيه البر الرحيم .
 وقد تكون له موهبة علمية ، لكن ذلك لا يرفع خسيسته ، وقد حكمت الولايات المتحدة بالإعدام على عالم بالذرة أفشى أسرار عمله للروس ، إنه عد من كبار المجرمين لأنه خان وطنه وقومه .
 وما الوطن ؟ قطعة من الأرض ، وما القوم  ؟ قبيل من الناس ، فكيف بمن خان رب الأرض والسماء ورب البشر كلهم ؟ ألا يعد مجرمًا ؟
 إن عظمة موهبة ما لا تنفى الإصابة بعلل مهلكة ، فقد يكون المرء حاد البصر جدًا ، ولكنه مصاب بسرطان يوشك أن يخترم عمره ويورده المهالك ، فما غناء بصره القوى مع علته الجسيمة ؟
 والشخص الذى يرفض معرفة الله والتقيد بدينه مهما نبغ فى أمر ما ، فهو معتل الضمير ، زائغ التفكير ، مخوف السولك على الأقربين والأبعدين ، بل إلى الحيوان أقرب منه إلى الإنسان .


وعبادته لهواه تجعله مشئومًا على نفسه ومن اقترب منه ، وقد يعاقبه الله فى العاجلة فيجعل ذكاءه ضده ، فيبحث عن حتفه بظلفه ويحفر قبره بيده .
 وقد وصف الله سبحانه عبيد أهوائهم الكارهين للاستضاءة به ، والاستمداد منه فقال : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا (43) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم غلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) (1)
 ولقد رأيت فى أرجاء البلاد العربية أناسًا ينتمون إلى " العلمانية " ويستبعدون بعنف كل أثارة للإسلام فى ميدان التربية أو القانون أو الثقافة أو التوجيه .
 وتفرست فى وجوه هؤلاء وأعمالهم ، فما رأيت صحة نفسية ولا دقة عقلية . فيهم مسلمون – كما يقال – يكرهون ما أنزل الله ، وفيهم كتابيون ينضمون إلى كل جبهة تخاصم الإسلام لكى يكثروا السواد ويشبعوا الأحقاد ، ويتظاهرون – مع ذلك – بالحياد !!
 ويستحيل وصف أحد من هؤلاء بأنه إنسان رشيد ، لأنه لو كان ذا نزعة قومية مجردة لعلم أن بنى إسرائيل تسلحوا بعقيدة مهاجمة ، وسياسة جعلت الدين يغتصب الأرض والعرض ، فكيف يقبل الدين مهاجمًا وترتضى سياسته وتحترم سطوته ؟ ويرفض الدين مدافعًا ويعتبر غشراكه فى التربية والتقوية سياسة رجعية مرفوضة .
 ألأن الدين هنا هو الإسلام ، ولأن الدين هناك هو اليهودية ؟!
 لا سياسة فى الدين إذا كان إسلامًا يدافع ، وتقام الدول من الهباء إذا كان الدين صهيونية تسطو؟ وتوصف السياسة هنا بأنها حكمة وتقدم !!
 على أنه ليس من الحصافة والرشد رفض نبوة محمد ، وكراهية هذا الإنسان العظيم والتحامل عليه ، إننا نضحك من إنسان يرى أن الأرض كوكب مثلث أو مربع ، أو أن موسى عليه السلام ولد فى الولايات المتحدة . فكيف لا نضحك من شخص يرى بوذا إلهًا ومحمدًا قاطع طريق ؟
 وكيف لا نضحك من شخص يرى الإسلام عبادة أصنام واستباحة أعراض ولا يعرفه دين توحيد وعفاف؟ إذا لم يكن هذا الشخص مغفلًا ، فهو جاهل بلا ريب ،








(1)   الفرقان : 43 ، 44 .

والجاهل لا يوصف بأنه امرؤ سوى رشيد ، قد يكون الجهل عذراً يسقط المسئولية الأخلاقية عند مخالفة القانون ، ولكنه لن يكون منقبة تزين صاحبها . . إن هناك يهوداً يصدقون أن الله صارع اباهم إسرائيل وكاد ينهزم أمامه ، ونصارى يصدقون أن الطفل يولد وهو حامل للعنة الخطيئة التى اقترفها آدم ، وإذا لم يعتقد أن عيسى صلب فداء له باء هو الآخر باللعنة الأبدية !
 فليعتقد من شاء ما شاء ، ولا يتطاول فوق مكانته ، ولا يتعرض بالتكذيب للإنسان الذى جاء ينقى رسالات السماء مما أهانها ، والذى جاء فى كتابه هذا التقريع لكل شارد : ( أم لم يُنَبّأ بما فى صحف موسى (36) وإبراهيم الذى وفَّى (37) ألا تزر وازرةُ وزرَ أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعىا (39) وأن سعيه سوف يُرى (40) ثم يجزاه الجزاء الاوفَىا )(1)
 إن جرس هذه الآيات الموجزة ينبعث دقات رهيبة الرنين تثير الحذر ، وتوقظ الانتباه! أو هى ومضات متقطعة تلفت السائر فى الدرب المتشابه كيف يعرف هدفه ولا يثنيه عنه .
  إن الجهل بالإسلام نقص شائن ، وما يستطيع أحد الاكتمال بدونه ، وكيف يتزكى امرؤ استغنى عن توفيق الله وهدايته ، وبشارته ونذراته ، لم تُرَطّبْ قلبه لحظة خشوع ، ولم يقل يوما : رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين . . . ؟















(1)   النجم : 36 - 41



Saturday, February 27, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثانى

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الثانى

2-     لماذا كان الإسلام خاتم الأديان ؟
الإسلام هو العلاقة الوحيدة بين الناس وربهم منذ بدأت الخليقة  ، وتكونت للبشر مجتمعات ، ونستطيع القول إن القرآن حوى جملة التعاليم التى بلغها الأنبياء الكبار – أعنى أولو العزم وحملة الرسالات المهمة – فلو كان موسى أو عيسى موجودين لاكتفيا بما قال القرآن فى ترسيخ العقائد وتأديب الأمم .
 أما الشرائع الجزئية فإن التفاوت فيها ليس له قيمة كبيرة .
 والإسلام الذى بلغه محمد وأخذ الناس به هو الصورة الأخيرة للوحى الأعلى ، وهو كذلك الصورة العامة التى تستغرق الأجناس كلها وتتناول الأجيال التى تسكن الأرض حتى قيام الساعة . . النبوات السابقة كانت كلها محلية مؤقتة أى محدودوة الزمان والمكان ، أما النبوة العامة الخالدة – فهى نبوة محمد وحده لا يَشْرَكُهُ فى ذلك نبى من السابقين .
 وعلة ذلك ان الإسلام بعد ما زود الإنسان بالوصايا الأخيرة للوحى الإلهى وكّل إلى عقله أن يتحرك ويشق طريقه ، ويستغل قدرته على الفهم والحكم وتعرف الصواب والمصلحة . . فانتهاء عصر الوحى هو ابتداء عصر العقل ، وقد شرحنا ذلك بتفصيل فى كتابنا ( فقه السيرة ) .
 إن نبى القرآن عليه الصلاة والسلام أرسى دعائم العقيدة والعبادة والخلق ، وساق نصوصا حاسمى تضبط سيرة المرء وتقاليد الجماعة ، وهذه أسس وتوجيهات لا تختلف باختلاف العصور ، ولا يمكن اختراق أسوارها .
 أما ما وراء ذلك من شئون – وما أكثره – فموكول إلى العقل الإنسانى يمحو فيه ويثبت . . فى ميدان العلوم والأنشطة الأرضية وشئون الحياة المدنية والأطوار الحضارية يقدر العقل على الحركة دون قيد يضعه الدين . وفى كل المجالات التى تتحدد فيها المبادىء وتتحرر الوسائل ، يستطيع العقل أن يتصرف دون عائق .
فالشورى مثلا مبدأ دينى لمنع الاستبداد السياسى ، ومنع عبادة الفرد ، وتمكين الأمة من فرض رقابتها على ما يعنيها . .
والعقل له أن يضع من الدساتير ما يحقق هذه الغاية .



والعدل مبدأ دينى لمنع الافتيات والتظالم ، وللعقل أن يشرع من القوانين وينشىء من المحاكم ما يحقق هذه الغاية إدارياً واجتماعياً واقتصادياً .
والجهاد مبدأ دينى لحماية الإيمان وكبح الفتنة ، ووسائل الجهاد فى البر والبحر والجو لا حصر لها ، والإبداع العقلى فى هذه الميادين لا حدود له . . . بل إن شرائع العقوبات المروية تركت أغلب الجرائم للاجتهاد العقلى ، مثل الغش والغصب والتزوير والربا والخيانة والاختلاس وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف . . . إلخ
وقد تنشأ أحوال تعين على العقل أن يعالجها ويرقب أثارها ، لأنها لم تعهد من قبل فى عهود الأنبياء ، لا أقول مثل غزو الفضاء وحرب الأقمار الصناعية ، بل فى النشاط الإنسانى العادى على ظهر الأرض ، فقد جدت قضايا خطيرة جعلت الحكومات تفرض سلطانها على نحو لم يعرف فى تاريخ الحياة البشرية من قبل ، وما يتم هذه العلاج إلا بالعقل اليقظ ، مع استصحاب هذا العقل لوحى الإيمان وتقوى الله .
إن الله لا بعجزه أن يرسل نبيا آخر ، لكن هذا الإرسال سيكون عبثاً إذا كان عمل النبى المرتقب قطرة من البحر الذى سبقه أو ترسمًا لخطاه أو تكرارًا لما قاله . . .
ومن ثم اكتفت الأقدار بكتاب محمد وحكمته فى قيادة الإنسانية إلى آخر الدهر .
ولو ان ورثة الإسلام من أمراء وعلماء أدوا واجبهم بأمانة ما كان هناك داع لهذا السؤال : لماذا كان الإسلام خاتم الأديان ؟
 فإن هذه التساؤل تولد من الفراغ والقصور الملحوظين على الحياة الإسلامية العامة ، وبخاصة فى العصور الأخيرة.
من المقطوع به أن الأمة الإسلامية فقدت القدرة على قيادة نفسها بسبب فسادها الثقافى والسياسى فكيف تقود العالم ؟ أو كيف تقدم نموذجًا لصلاحية الإسلام الأبدية لقيادة العالم ؟
إن أصحاب العقول يرفضون أن يشد العالم إلى وراء وأن توضع قيود على حراكه الفكرى والحضارى ولو كان الإسلام مسلكًا رجعيًا ، أو توقفًا حضاريًا لرفضناه دينًا يرقى بأتباعه بل دين يرقى بالعالمين .
 لكن فقهاء الإسلام الحقيقيين قالوا : حيث تكون العدالة والرحمة فثم شرع الله ! حيث تكون الفضيلة والحرية والمصلحة فثم شرع الله !
وماذا ينشد الناس إلى آخر الدهر غير هاتيك الغايات ؟
إن اختلاف الليل والنهار لن يقلب حقائق الأشياء . . فإذا كانت الوحدانية صفة الله فإن هذه الصفة لن تتغير ولن تزول مهما اطردت مواكب الزمان .



وإذا كانت تبعية الإنسان لربه حقًا لا معدى عنه ، فإن تقدم الحضارة لن يعنى أبدًا أن الإنسان استغنى عن الله والصلاة له والضراعة إليه .
 وقل مثل ذلك فى ميدان الأخلاق ، والعلاقات الإنسانية كلها .
 ويوم ظن أهل الكتاب أن الدين عنوان ومراسم وأوهام مقدسة قيل لهم : كلا ، الدين ارتباط بالله ، وإحسان للعمل ، ولن يضام أحد أخلص لله قلبه ، وأصلح له عمله ، واستقام على الطريق . .! وقالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (1).
 لماذا  لا تكون هذه الحقائق ختام الدين كله ؟ رب العالمين يقول للناس فى القارات المعمورة من أرضه ، اتجهوا إلى مخلصين ، وأحسنوا كل عمل تكلفون به ، تظفروا بالأمن وتنجوا من الحزن وتكسبوا الدنيا والآخرة . .
 ماذا بعد هذا الكلام ؟ وماذا يقول نبى آخر بعد محمد عليه الصلاة والسلام ؟
على أن هناك شرائع تفصيلية ترتبط بهذا الأصل ارتباط الشجرة بجذعها ، ولا يقبل الإهمال لهذه الشرائع الفرعية !
 غير أننا نلفت النظر إلى أمرين مهمين : الأول أن تفكير المسلمين لان أمام بدع وخرافات أدخلت على دين الله وهو منها برىء ، وبرزت هذه الأهواء الدخيلة فى أعمال المسلمين أكثر مما برزت فى معالم الدين الحق ، ومن مصلحة الإسلام لكى يبقى ان ينقى من هذا الغش . . .!
الثانى أن الترتيب المفروض بين شعب الإيمان سرت فيه الفوضى ، فتحولت اركان إلى نوافل ، ونوافل إلى أركان .
 وامتدت خيمة الغيبيات لتشمل أمورًا عقلية لها منطقها الحر ، وتبعت أحكام الحلال والحرام تقاليد بعض الأجناس التى اعتنقت الإسلام .
 والمعروف أن الحكم الشرعى هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ، فلا حكم حيث لا خطاب .
إن الإسلام كان ولا يزال الدين الذى ارتضاه الله لعباده إلى اللقاء الأخير ، ومصلحة الإنسانية فى استمساكها بهذه العروة الوثقى .







(1)   البقرة : 111 ، 112 .

Wednesday, February 17, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الأول

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - السؤال الأول


1- ما الإسلام ؟ ولماذا سمى كذلك ؟
الإسلام الخضوع لله ، وتسليم النفس والأمر إليه سبحانه ؛ اى إقامة العلاقة بين الإنسان وربه على مبدأ (السمع والطاعة) !
قد يشعر امرؤ بأنه لا سلطان لأحد فى الأرض والسماء عليه ، وأنه يفعل ما يهوى دون ارتباط بتوجيه ما . وقد يقبل هذا الشعور فى تحديد العلاقة بين إنسان وإنسان مثله ، أما بين الإنسان وربه الذى خلقه بقدرته ، ورباه بنعمته ، ورسم له طريقا مستقيما وأمره أن يسير عليه . . فلا مكان لهذا التمرد والشموخ .
إذ الواجب أن يجعل الإنسان نفسه تابعا لمراد الله ، أو الشخص الذي يتلقى التعليمات من أعلى و يرى ضرورة التزامها . . قال الله تعالى : ( ومن يسلم وجهه إلى الله و هو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى و إلى الله عاقبة الأمور ) (1) .
وماذا يمكن أن تكون العلاقة بين الخالق و المخلوق؟ بين موجود سيقضى على ظهر الأرض بضع عشرات من السنين تقل أو تكثر، ثم يرجع بعد ذلك إلى من أوجده؟
أتكون علاقة تجاهل أم معرفة؟ أتكون علاقة تمرد أم خضوع؟
إنه طبيعي جدا أن يعرف الإنسان هذا الرب الكبير ، و أن يرتبط بأمره و نهيه و أن يتوجه وفق هديه ، و هذا هو معنى الإسلام و هو المعنى الذي قرره المرسلون .
قال تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) (2) .
والمرء إذ يعلن خضوعه لله و احترامه لوصاياه ، و انقياده المطلق لتوجيهه – سبحانه - يتجاوب مع الكون كله الساجد لربه ، الهاتف بمجده ( أفغير دين الله يبغون و له أسلم من في السموات و الأرض طوعا و كرها و إليه يرجعون ) (3) .
و يخطئ من يظن الإسلام عنوانا خاصا بالدين الذي جاء به " محمد " منذ خمسة عشر قرنا ، إن الإسلام عنوان لجميع الرسالات التي هدت الناس من بدء الخليقة إلى يوم الناس هذا .
(1) لقمان : 22 (2) آل عمران : 19 (3) آل عمران : 83


صحيح أن حقيقة الإسلام بلغت تمامها ، وأخذت صورتها الأخيرة فى رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بيد أن هذا العنوان أطلقه القرآن الكريم على ما بلغه أنبياء الله كلهم دون استثناء .
إن إسرائيل - وهو لقب التشريف ليعقوب – ليس إلا نبيا دعا إلى الإسلام وتشيث به ومات عليه وأوصى به أولاده : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون ) (1).
والواقع أن الدولة التي تسمى اليوم بإسرائيل هي اسم بلا مسمى ، وعلم على وهم كبير، لأن إسلامها لله صفر أو قريب من الصفر .
وكان عيسى يعلم أتباعه الانقياد لله و صدق عبوديته ، و تأمل في هذه الآية ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي و برسولي قالوا آمنا و اشهد بأننا مسلمون ) (2).

و يشمل وصف الإسلام جميع الأنبياء الذين نفذوا الأحكام السماوية بدءا من عهد التوراة إلى اليوم . قال تعالى ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى و نور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا و الربانيون و الأحبار بما استحفظوا من كتاب الله و كانوا عليه شهداء ... ) (3).

ولا يصح الإسلام إلا باكتمال حقيقتين مهمتين أولاهما حسن معرفة الله ، و تصور الألوهية بأمجادها كلها ، فلا يعد مسلما من أشرك بالله شيئا ، أو نسب لله ولدا ، أو ظن الذات العليا متلبسة بالعالم حالة في الكون الذي نعيش فيه . . لابد من العلم الصحيح بالله . . و يجيء من بعد ذلك الانقياد له و تنفيذ أوامره .
و في القرآن الكريم فيض غامر من تنزيه الله ، و الثناء عليه ، وإحصاء لأسمائه الحسنى و صفاته العلى ، و إبراز لمعالم العظمة الإلهية لا مثيل له في كتاب قديم أو حديث سماوي أو أرضي.


(1) البقرة : 133 (2) المائدة : 111 (3) المائدة : 44


فأنت تحس عند قراءة القرآن بالشهود الإلهي على كل شيء ، و الهيمنة المطلقة ، ( له غيب السماوات و الأرض أبصر به و أسمع ما لهم من دونه من ولي و لا يشرك في حكمه أحدا ) (1).

و كيف لا يسلم المرء نفسه لمن خلق كل شيء و دبر كل أمر ، و ملك السمع و الأبصار ، و قلب الليل و النهار ، و أرسل الرياح لواقح ، و فرج الكروب ، و أخرج الحيارى من الظلمات إلى النور، و في القرآن الكريم إنكار شديد و غضب هائل على من ينسب لله ابنا ، أو يجعل له بعباده شبها ( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات و ما فى الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ) (2).

وبعد إثبات هذه الحقيقة في صحة المعرفة بالله تجيء الحقيقة الأخرى . . . و أساسها الانقياد التام لله ، و الاصطباغ بطاعته .
ولا يجتمع إسلام لله و تمرد عليه ، أو خضوع له و رفض لأمره !!
فهل معنى ذلك أن المسلم لا يتورط في معصية ؟ الحق أن المسلم إذا عرض له عصيان كان ذلك طارئا غير محسوب ، أو عملا انزلق إليه صاحبه و هو كاره له أو غير مستبين لشره ، و من ثم فهو يتخلص منه آسفا و نادما أو خجلان . . !!

وطبيعة النفس ، وظروف البيئة قد توقع المرء في سيئة ما ، كالذي يقود سيارته آيبا إلى بيته فتغفو عينه إغفاءة تفقده السيطرة على مقود السيارة فيصاب هو أو يصيب غيره .
إن نور العقل قد ينكسف ، و طاقة العزيمة قد تنفد ، و عندئذ يقترف المرء ما لا يليق ، و لا يخرج المرء بذلك عن الإسلام ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )(3) ولذلك رفض النبي - صلى الله عليه و سلم - استنزال اللعنة على شارب خمر أوهن الإدمان إرادته و مروءته . إن هذا الشارب يمثل نوعا من العصيان أو حالة من الاضطراب غير ما يقع في مجتمع آخر يزرع العنب و يعد المعاصر ، و يفتح الحانات و ينظم توزيع الإثم ، و يفرض ضرائب على المتاجرة به . .
(1) الكهف : 26 (2) يونس : 68 ، 69 (3) الاعراف : 201


الفارق بعيد بين مستبيح لا يرى لله حقا ، و لا يحس في عمله جرما و معتل خارت قواه فسقط ، الأول مجرم لا مسلم و الآخر مريض تلتمس له العافية ، و يحسب بين أهل الإسلام .

وقد استطاع نبي الإسلام تكوين أمة مسلمة لله ، تنهض للصلاة له من طلوع الفجر إلى غسق الليل ، و تتردد على المساجد في رتابة و دقة يمكن أن تضبط عليهما الساعات .

كما أن هذه الأمة التزمت في شئونها المدنية و العسكرية و الثقافية و السياسية أن ترضي ربها ، و أن تتوجه وفق مراده ، بحرص و إخلاص.
قدوتها الأولى و الأخيرة إنسان تجرد للحق و أصاخ من أقاصي فؤاده إلى أمر الله له ( قـل إن صلاتي و نسكـي و محيـاى و ممـاتي لله رب العالمين (162) لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ) (1).

و كذلك وعى أتباعه هذا القسم المؤكد ( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما )(2) . . .
إن خضوع الإنسانية لبارئها الأعلى صدق و شرف ، و هذا هو الإسلام .
(1) الأنعام : 162 ، 163 (2) النساء : 65


Thursday, February 11, 2010

كتاب "مائة سؤال عن الإسلام" للشيخ محمد الغزالى - مقدمة

مقدمة

قلبت ببصرى فى عشرات الأسئلة المعروضة على ثم قلت لصاحبى * : إننى فى كتبى الكثيرة قد تعرضت لهذه الموضوعات ، وأحسبنى أجبت عنها إجابة شافية . .!

قال : لا تستطيع أن تحيل الناس على ما كتبت فى أسئلة محددة توجه إليك ، أعط خلاصة علمية موجزة سهلة فى الموضوع المطلوب منك ، حتى يرجع السائل وقد أضاء الحق لبه وقلبه !! وتريثت قليلا ثم قلت لنفسي : إن هذا العلم خزائن ، لعل الاسئلة تكون مفاتيحه ! وما يدرينى ؟ لعل الله يؤتيني الرشد ويلهمني الصواب ، فأكشف ظلمة ، أو أمحو حيرة ، أو أطفئ فتنة ، أو أثبت حقاً يعصف من حوله الباطل . . . وقررت أن أجيب بعد أن يعافينى الله من بعض العلل .

ولما شرعت أكتب ، وجدت انى قلما اكرر نفسى ، ففى هذا الكتاب حقائق جديدة ، أو أداء أخصر وأيسر ، أو أو ترتيب لأدلة كانت مشوشة ، ، فيما يقرأ الناس من علوم الدين ، أو مزاوجة بين التراث القديم والعقل الحديث .

فإذا وقع بعد ذلك تكرار لفكر سابق فهو مغتفر إن شاء الله مع هذه الفوائد الجمة اللاحقة .

إن اللوم يتجه إلينا – نحن دعاة الإسلام – لأننا لا نعرف طبيعة العصر الذى نعيش فيه ، والمنطق الذى يقنع أهله ، والشبهات التى جدت مع مدنيته !

وبعضنا قد يحيا متخلفا عن عصره لف سنة . يخاصم فرقا بادت ، ويناقش قضايا نسيت ما يحب الناس أن يسمعوا عنها جدا ولأا هزلا . . والإسلام لا يخدم بهذا الأسلوب .

وحين نظرت فى الأسئلة المطروحة على أدركت أنها وضعت بحكمة وسيقت إلى هدف ، وأن الإجابة الحسنة عناه تغنى الثقافة الإسلامية ، وتجلو غبارا كثيرا عن حقائق الراسلة الخالدة . إن الإسلام دين عظيم حقا بيد أن الساسة الذين حكموا باسمه من بضعة قرون لم يرتفعوا إلى مستواه ، إلا من عصم الله . . وكان لذلك اثره فى مسيرة الدعوة ، وإيضاح معالمها . .! ومصابنا هنا يجب أن يجبره أن يجبره نشاط علمي دءوب مخلص شجاع ، يرد التهم ويقيم العوج وينفع العالمين برحمة الله المهداة ، ، ويصل الناس بربهم عن الطريق الوحيد المحترم ، طريق العقل المفتوح والمنطق السمح والجدال الحسن .

وإنها لفجيعة أن يسبق إلحاد أعرج، ويتأخر هدى مستقيم لا لشيء إلا لأن حَمَلَة هذا الهدى كسالى، ومفرطون

أعترف بأنى لولا عون الله ما كنت لأخط حرفا ، فقد حاصرتنى متاعب كثيرة ، وأملى أن أكون قد وفقت ، ونلت ما أطمح فيه من مغفرة الله ورضاه .

محمد الغزالى

*الأستاذ خالد محمد خالد